الاقتصاد الريعي وإرث المحاصصة: لماذا لا يتم احتواء البطالة في العراق؟
بقلم: مسعود کيا
المقدمة
يُعد العراق من الناحية الديموغرافية واحدًا من الدول ذات التركيبة السكانية الأكثر شبابًا في العالم، حيث إن أكثر من 60% من سكانه دون سن الخامسة والعشرين. ينضم مئات الآلاف من الشباب إلى سوق العمل سنويًا، ولكن لا يتم خلق فرص عمل جديدة تتماشى مع هذا النمو السكاني السريع. وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2024، فإن أكثر من 36% من الشباب العراقيين دون سن الثلاثين يعانون من البطالة. هذه الظاهرة لا تزيد من الضغوط الاقتصادية فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى اضطرابات اجتماعية وتنامي ظواهر مثل هجرة القوى العاملة إلى الدول المجاورة وأوروبا.
تُعد البطالة واحدة من أبرز المشكلات التي واجهها العراق خلال العقدين الماضيين. وبحسب بيانات عام 2024، بلغ معدل البطالة في البلاد 16.3%، وهو أعلى مستوى خلال العقد الأخير. يمثل هذا الوضع أزمة ذات تداعيات أمنية وسياسية خطيرة، وتهديدًا خطيرا للديمقراطية الناشئة في العراق. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة لهذه الأزمة.
1.دور نظام المحاصصة في هيكلة التوظيف في العراق
إحدى الأسباب الرئيسية للبطالة في العراق هي البنية السياسية القائمة على نظام “المحاصصة”، الذي تأسس بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. يقوم هذا النظام على تقسيم المناصب الحكومية والموارد الاقتصادية وفقًا للطوائف والأحزاب، مما أدى إلى سوء الإدارة والفساد المنهجي.
ساهم هذا النظام في تقييد الفرص المتكافئة، حيث أصبحت التعيينات قائمة على الولاءات الحزبية والطائفية بدلاً من الكفاءة. على سبيل المثال، في عام 2023، تم تخصيص أكثر من 60% من فرص العمل في القطاع العام لجماعات خاضعة لنفوذ أحزاب معينة. دفع هذا الوضع العديد من الكفاءات والمهنيين المؤهلين إلى سوق العمل غير الرسمي أو الهجرة خارج البلاد، ما أدى في الأمد البعيد إلى انخفاض الإنتاجية والتنمية، وتفريغ النظام البيروقراطي من المتخصصين.
-
الاعتماد الاقتصادي على النفط: دولة ريعية
يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على عائدات النفط، حيث تشكل أكثر من 90% من الإيرادات الحكومية. إلا أن هذا الاعتماد جعل الاقتصاد هشًا أمام أي تقلبات في أسعار النفط، مما يؤثر بشكل مباشر على قدرة الحكومة على الاستثمار في خلق فرص العمل.
يؤدي غياب التنويع الاقتصادي وقلة الاستثمار في قطاعات مثل الزراعة والصناعة والخدمات إلى تفاقم الوضع. ففي عام 2023، بلغت مساهمة الزراعة والصناعة في الناتج المحلي الإجمالي 3.1% و1.2% على التوالي، بينما يعمل أكثر من 20% من السكان النشطين في هذه القطاعات.
إلى جانب ذلك، أدى الاقتصاد السياسي النفطي عن بنية ريعية للدولة العراقية بحيث :
- تشكلت حكومة ضخمة ذات نفقات باهظة، غير فعالة وبطيئة، هدفها الأساسي توزيع الريع بين الأحزاب والطوائف لضمان الدعم السياسي والبقاء في السلطة.
- الاعتماد المفرط على النفط أعاق تطوير القطاع الصناعي المنتج، ما أدى إلى شلل الاقتصاد غير النفطي.
- أدى تدفق عائدات النفط إلى تشكيل حكومة غير مسؤولة، مما عزز الفساد السياسي والاقتصادي، وساهم في شعور الشباب بالإحباط وانعدام الأمل.
3.الفساد وضعف الإصلاحات الاقتصادية
يُعد الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وعدم تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بشكل فعال من الأسباب الأساسية لأزمة البطالة. وفقًا لتقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2023، يُعتبر العراق من بين أكثر الدول فسادًا في العالم.
لا يؤدي الفساد فقط إلى إهدار الموارد المالية، بل يعوق أيضًا تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية الرئيسية. على سبيل المثال، المبادرة الحكومية لتعزيز القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على النفط، التي بدأت عام 2018، فشلت في تحقيق نتائج ملموسة بسبب نقص الشفافية وسوء الإدارة.
أدى الفساد في توزيع العقود الحكومية وسوء إدارة الموارد إلى تبديد الميزانيات المخصصة لمشروعات خلق الوظائف والتنمية الاقتصادية. كما أن العديد من الاستثمارات العامة لم تُستغل بشكل صحيح، مما تسبب في تأخر تنفيذ المشروعات الأساسية، وبالتالي تقليل فرص العمل.
إلى جانب الفساد، أدت الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية غير المجدية الى آثار سلبية على سوق العمل. فبرامج الحكومة الموجهة لتدريب الشباب وتأهيلهم لمتطلبات سوق العمل باءت بالفشل بسبب الإدارة السيئة أو التخصيص غير المناسب للموارد. ففي عام 2023، لم يتم تخصيص سوى 8% من ميزانية التعليم للتدريب المهني والفني، وهي نسبة لا تفي باحتياجات السوق.
الخاتمة
البطالة في العراق هي نتيجة تفاعل معقد بين عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية. لمواجهة هذه الأزمة، من الضروري إجراء إصلاحات هيكلية على عدة مستويات، تشمل مكافحة الفساد، القضاء على نظام المحاصصة السياسية، تنويع الاقتصاد، والاستثمار في قطاعات إنتاجية مثل الزراعة والصناعة. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تسهم برامج التعليم والتدريب المهني للشباب وجذب الاستثمارات الأجنبية في خلق فرص العمل. في حال عدم اتخاذ إجراءات فورية، ستظل البطالة تهديدًا للاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق. يمكن الإجراءات العاجلة، مثل استغلال الطاقات الشبابية وتحسين البنية التحتية الاقتصادية، أن تمهد الطريق نحو تحقيق التنمية المستدامة.