الأزمات المالية للدولة العراقية وتأثيرات الضغط الأمريكي عليها
الملخّص
أنهى موظفو الدولة العراقية عامَ 2024 في ظروف استثنائية من حيث الدخل. عادةً ما تُودع رواتب الموظفين العراقيين في حساباتهم في السابع والعشرين من كل شهر، ولكن هذا الشهر الأخير (دسمبر)، وعلى رغم الاقتراب إلی بداية العام الميلادي(2025) والعطلات الرسمية، لم تُصرف الرواتب، مما جعل الموظفين العراقيين يدخلون العام الجديد دون راتب شهري. يُعتبر الخبراء هذا الحدث دليلاً مهماً على قصور الميزانية في الحكومة العراقية. يهدف هذا المقال إلى مناقشة هذا الموضوع واستعراض الأحداث والنتائج المرتبطة به.
نقص الدينار في الخزينة
لم يكن نهاية عام 2024 م مفرحة للموظفين العراقيين، حيث كان من المتوقع أن تُدفع رواتب الموظفين الشهرية مبكراً بسبب مشترياتهم قبل بداية العام الميلادي. ومع ذلك، وعلى العكس من ذلك، ورغم حلول السنة الجديدة، لم يتلق غالبية موظفي الدولة رواتبهم بعد. هذا الامر دفع وزارة المالية لاصدار بيان “نفي”، لكن النفي كما يبدو هو نفي “تعذر اطلاق الرواتب”، وليس نفي تأخيرها، حيث قالت الوزارة في بيان ان “المعلومات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تزعم الاعتذار عن صرف رواتب موظفي الدولة لهذا الشهر بسبب نقص في السيولة غير صحيحة تمامًا ولا تمت للواقع بصلة”.
في الوقت نفسه، فإن تأخير صرف الرواتب في العراق أصبح يتحول إلى ظاهرة متداولة و مستمرة.
رغم بيانات وزارة المالية، تشير الأرقام والإحصائيات الصادرة إلى وجود أزمة في خزينة العراق؛ على سبيل المثال، بلغ الانفاق الجاري فقط لوحده خلال الأشهر العشرة الماضية اكثر من 91 تريليون باستثناء الانفاق الاستثماري، أي ما معدله اكثر من 9 تريليون دينار شهريا تحتاجها وزارة المالية لضمان الانفاق الجاري كالرواتب والمتطلبات الأخرى الإلزامية.
بالمقابل، تظهر بيانات البنك المركزي ان وزارة المالية في شهر نوفمبر الماضي باعت للبنك المركزي فقط 4.4 مليار دولار ما يعادل 5.8 تريليون دينار. اما الإيرادات غير النفطية فيبلغ معدلها 1.4 تريليون دينار شهريًا حسب يانات وزارة المالية، ما يعني ان مجموع الإيرادات غير النفطية والنفطية الناجمة من بيع الدولار للبنك المركزي، تبلغ 7.2 تريليون دينار، بينما المطلوب هو اكثر من 9 تريليون دينار شهريًا.
وفقا لذلك هذا يعني وجود عجز بنسبة 20% بالاموال المطلوبة للنفقات الجارية الإلزامية الشهرية، ما يجعل وزارة المالية عاجزة عن جمع الأموال كلها في وقت واحد لغرض اطلاق رواتب جميع الوزارات في وقت واحد كما كان يحصل سابقا، وعمدت الى اطلاقها بـ”التقسيط”، وكلما أصبحت لديها سيولة تدريجية.
تركيز الولايات المتحدة على إستراتجية المالية للعراق
إن وجود الجمهورية الإسلامية الإيرانية كدولة جارة مائية-برية وشريك تجاري كبير للعراق يعود بفوائد كبيرة على كل من حكومتي العراق وإيران. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية ليست مهتمة بتطوير العلاقات الاقتصادية بين العراق وإيران. ومن هنا، وضعت قواعد صارمة لإدارة الدولار في العراق، مما يعرض قنوات دخول وخروج الدولار إلى إيران من العراق للتهديد بالعقوبات. إن خروج الدولار بشكل غير منظم من المنافذ غير الرسمية وإجراء معاملات غير خاضعة للرقابة عبر قنوات غير حكومية هي من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر الدولار، مما أثار حساسيات أكبر من قبل الولايات المتحدة تجاه البنوك العراقية. وقد وعد علي العلاق، محافظ البنك المركزي العراقي، باتخاذ إجراءات صارمة ضد السوق السوداء لتداول الدولار في العراق. كما تعهدت وزارة المالية العراقية بمراقبة المعابر الحدودية ومنع دخول السلع خارج إطار هذه المعابر، بالإضافة إلى التزام وزارات أخرى بزيادة القدرة الإنتاجية المحلية للحد من عمليات الاستيراد.
من المحتمل أن تُظهر هذه القرارات والإجراءات آثارها في إيران أيضًا. كما أكدت الوكالة التحليلية-الأخبارية ‘المعلومة’ أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى منع العراق من تحقيق استراتيجية اقتصادية ناجحة على المدى الطويل، حيث تواجه دائمًا اقتصاد العراق موانع وعقبات.
الإعلام و دوره
يُعتقد أن وسائل الإعلام المهتمة بتعزيز النفوذ الأمريكي في العراق، تتوافق مع سياسات الولايات المتحدة، حيث تُعتبر العلاقات التجارية الإيرانية مع حكومة العراق الرسمية وإقليم كردستان، عاملًا أساسيًا في زيادة أسعار العملات في العراق. كما تعمل هذه الوسائل على نشر الكراهية تجاه إيران، بينما تضغط على الحكومة لتقليل العلاقات التجارية مع طهران. ومن المتوقع أن تظهر آثار سلبية لهذه الأحداث على اقتصاد البلدين بعد فترة قصيرة.