منظمة الحشد الشعبي: بين الإجراءات الميدانية والشائعات الإعلامية

المؤلف: أکبر بيرامي

المصدر: مرکز دراسات الشهيد الخامس

الملخص

في الشهر الماضي، وخاصة بعد اقتراب هدنة مشاورة بين غزة وإسرائيل، برزت ضجة إعلامية واسعة حول ضرورة حل منظمة الحشد الشعبي، لكن حتى الآن لم يُتخذ أي قرار في هذا الشأن. بل إن ما حدث عملياً خلال الأسابيع القليلة الماضية أظهر أن الحشد الشعبي في العراق يتألق بقوة أكبر في ساحة أوسع في العراق.

منظمة الحشد الشعبي في العراق

تعود تأسيس هيئة الحشد الشعبي في العراق إلى عام 2014، عندما أصدر المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) في النجف فتوى بتشكيل مجموعات شعبية لمواجهة خطر تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي إحتلّ المدن العراقية وسيطر على ثلث أراضي العراق، وبلغ قرب العاصمة بغداد.

تتكون هذه الهيئة من حوالي 40 مجموعة (لواء) مختلفة، وهي تتألف أساسًا من جماعات مسلحة شيعية، لكن هناك أيضًا بعض الجماعات السنية والمسيحية والإيزيدية التي تشارك فيها. العديد من الجماعات الشيعية الأعضاء فيها كانت قد عملت سابقاً بشكل مستقل في العراق، وخاصة ضد القوات الأمريكية. في 26 نوفمبر 2016، حصلت على رسمية ككيان عسكري منفصل عن الجيش العراقي بأغلبية أصوات مجلس النواب العراقي.

محاولات حل الحشد الشعبي

قبل حوالي شهر، أفادت وسائل الإعلام العربية بعدم قبول إصدار فتوى حل منظمة الحشد الشعبي من قبل آية الله السيستاني (دام ظله). وقد كان هذا الرفض تجاه الطلبات الداخلية وكذلك الطلبات على المستوى الدولي. منذ البداية، تنبه المحللون الواقعيون إلى هذه الأجواء وأوضحوا أن هذه الإجراءات هي محاولة ذات خلفية طويلة لتضعيف الجبهة الداخلية في العراق.

كما أشار علي فضل الله في تلك الأيام في تصريحات له، قائلاً: “الحشد الشعبي هو قوة أساسية في حفظ الأمن والاستقرار في العراق، تم تأسيسه بناءً على فتوى جهاد كفائي صدرت من المرجعية العليا في النجف قبل ثماني سنوات، هذه القوة لا تزال أداة فعالة في مكافحة الإرهاب وحماية البلاد من المخاطر”. وأضاف: “هذه الفتوى لا تزال قائمة، وستستمر حتى حدوث أي تغيير في قيادة المرجعية، حيث سيتولى المرجع المستقبلي هذه المسؤولية”.

ومع ذلك، كانت وسائل الإعلام المختلفة، وخاصة المعارضة ضد الغالبية في العراق، تصف الحشد الشعبي على أنه العقبة الرئيسية أمام إقامة شيء مشابه لما حدث في سوريا، و هذه العملية الإعلامية کانت تتلائم مع تلميع حاكم جديد في سوريا. على الرغم من أن هذا النهج لم يلاقِ قبولًا من قبل الشيعة، إلا أنه كان يعتبر تحفيزًا استراتيجيًا مهمًا تجاه أهل السنة في العراق وإمكانية نشوء جماعات إرهابية ذات توجه سني في العراق لمرة ثانية.

كانت هذه الجهود الإعلامية تهدف إلى إبقاء منظمة الحشد الشعبي في عزلة داخلية ومنعها من اتخاذ المبادرة كقوة فكرية وعسكرية كبيرة.

الحشد الشعبي في الواقع

بعيدًا عن جميع الحملات الإعلامية، كانت منظمة الحشد الشعبي خلال الشهر الماضي واحدة من أكثر الوحدات العسكرية نشاطًا في العراق.

أُجريت أولى العمليات الكبيرة ضد داعش في بداية عام 2025 في وادي الشاي بكركوك، وقد تم تنفيذ عملية كمين أمني في شرق الفلوجة أدت إلى اعتقال عدد من عناصر داعش، بالإضافة إلى عمليات استخباراتية في غرب نينوى لدعم الأمان في جنوب منطقة سنجار – حيث يسكن الإيزيديون فيها– واكتشاف وتدمير مخابئ داعش في غرب الأنبار وتأمين الحدود بين العراق وسوريا. كل هذه الإجراءات تعد جزءًا من الأنشطة الميدانية للحشد الشعبي خلال الشهر الماضي.

الشرق الأوسط الجديد وسلوك الحشد الشعبي

كما نرى، تغيرت ملامح الشرق الأوسط مع ظهور وقوة مجموعة متشددة في سوريا. تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية للبقاء في الشرق الأوسط إلى أعداء يمكن السيطرة عليهم، بحيث تُجبر الحكومات على السعي لإبقاء القوات الأمريكية في المنطقة، من جهة ومن جهة أخرى، تُقدم هذه الجماعات ذات الفكر المناهض للإمبريالية ذريعة مناسبة للحضور الأمريكي في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فإن ما فعله الحشد الشعبي خلال الأشهر الماضية هو قرار ضد هذه الإستراتيجية. ليس الحشد الشعبي عنصرًا خطرًا على العراق أو المنطقة، بل منظمة تساهم في الأمن وتظهر نزاهة في التزامها بمجمل القوانين الرسمية للعراق، موجهة تركيزها نحو تطهير أرض العراق من الفرص الإرهابية. يمكن اعتبار هذا السلوك حركة هادفة تركز على التنمية وتنقض على أهداف وسياسات أمريكا في العراق. في الواقع، يأخذ الحشد الشعبي الذرائع لاستمرار وجود أمريكا في العراق واحدًا تلو الآخر، مما يدفع الحكومة العراقية نحو اتخاذ أقصى الجهود لطرد القوات الأمريكية بالكامل.

في حالة حل منظمة الحشد الشعبي…

لا شك أن حل منظمة الحشد الشعبي سيكون رمزًا لاستمرار بقاء قواعد الولايات المتحدة في العراق لمدة عشر إلى عشرين سنة قادمة. من جهة، ستدخل الجماعات المسلحة تحت الضغط في سوريا، إلى الأراضي العراقية نظراً لضعف القوات الأرضية في العراق، مما سيعيد العراق ليكون مهداً للجماعات التكفيرية. ومن جهة أخرى، سيرى الباقون من داعش في العراق الذين يتنكرون تحت غطاء بعض العشائر، الفرصة للقيام بانتفاضات متفرقة أو تشكيل مجموعة جديدة من الجماعات الإرهابية. كما سيستفيد إقليم كردستان من الظروف الراهنة لتطوير العلاقات مع القوات المسلحة الكردية في سوريا. وأخيرًا، ستستأنف بعض الجماعات المسلحة الشيعية التي خرجت من تحت قوامة الحشد الشعبي أنشطتها التهديدية تجاه القواعد الأمريكية. كل هذه السلوكيات ستؤدي مجتمعة إلى تعزيز موقف الولايات المتحدة في العراق، ومنح الشرعية لوجود المزيد من القوات الأجنبية في المنطقة والعراق، وزيادة الضغط على الحكومة العراقية، وتضعيف مكانة الشيعة في العراق، وزيادة انعدام الأمن في المنطقة.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here