المقدمة
إنَّ التحولات السريعة والعاصفة التي شهدتها سوريا وأدت إلى انهيار وانتهاء حكم بشار الأسد لها تبعات هامة على سوريا والمنطقة والعالم. العراق هو دولة تأثرت على الدوام بهذه التحولات بسبب الجوار والحدود المتاخمة مع سوريا. فقد مرّت كل من سوريا والعراق في فترات معينة بمشاكل وعدم استقرار متشابهة. ويرجع ذلك في جانب إلى الحدود المشتركة والتأثيرات الجيوسياسية، وفي بعد آخر إلى القواسم الثقافية والدينية المشتركة بين البلدين.
وجهة نظر العراق تجاه الحرب الأهلية السورية: النتائج واتخاذ السياسة المناسبة
قال باسم العوادي، المتحدث باسم الحكومة العراقية في بيان رسمي: “تتابع الحكومة العراقية تطورات الأوضاع في سوريا وتستمر في إجراء المشاورات مع الدول الشقيقة والصديقة لتعزيز الجهود نحو الاستقرار والحفاظ على الأمن والنظام العام وحماية أرواح وممتلكات الشعب السوري”. وأكد العوادي قائلاً: “إن العراق يولي أهمية كبيرة لضرورة احترام إرادة الشعب السوري الحرة، ويرى أن أمن سوريا ووحدتها واستقلالها ليس فقط مهمًا للعراق، بل يشكل قضية ذات أهمية بالغة بالنسبة لاستقرار وأمن المنطقة”.
بالإضافة إلى التصريحات الرسمية المتعلقة بالوضع في سوريا، عبّرت جماعات مختلفة داخل العراق عن مواقف متباينة تجاه الأحداث. من جانب، أعلن مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري في العراق، أنَّ بعد سقوط النظام الذي حكم شعباً يتألف من طوائف دينية متنوعة لأكثر من 50 عامًا، فإنَّنا اليوم ننتظر حوارًا وطنيًا شاملاً لتشكيل حكومة ديمقراطية تضم جميع الطوائف الشعبية دون أي تطرف أو حكم عسكري أو إقصاء لأحد. وأضاف: “لن يعيش جيراننا في سوريا في أمن وهدوء بعيدًا عن الإرهاب الداعشي، والديكتاتورية الكريهة، أو التدخلات الخارجية من قبل أمريكا أو إسرائيل أو غيرهم”.
من جانب آخر، هنأ خميس الخنجر، رئيس حزب السيادة، الشعب السوري وقال في بيان له: “لقد انتهى عهد حكم الديكتاتورية المجرمة في سوريا وبدأت مرحلة جديدة”. بينما طالب حيدر العبادي، رئيس ائتلاف النصر، بالاستثمار في القواسم المشتركة بين الشعبين العراقي والسوري في مجال السلام والإعمار، والعمل على إيقاف الحروب والصراعات. وفي حسابه على منصة “إكس”، كتب العبادي: “يوم جديد في سوريا، نأمل أن يكون يومًا للوحدة والحرية والعدالة والسلام لشعبها. كما قلت سابقًا وأكرر اليوم، كما لا يمكن أن يستمر الاستبداد، لا يمكن أن ينجح الإرهاب أو الفوضى أو الحرب”.
في المقابل، حذر عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي السابق، من التداعيات الخطيرة للتحولات في سوريا، خاصة مع دخول إسرائيل إلى القنيطرة جنوب سوريا، مستغلة سقوط النظام. وكتب عبد المهدي في حسابه على “إكس”: “بعد انتصار لبنان، حصلت أولى الإنجازات في سوريا، وستتحقق إنجازات مؤلمة أخرى، فقد دخل الإسرائيليون بسرعة إلى القنيطرة، والنتائج الخطيرة ستكون”. وأكد: “سيكون للهجوم نهاية، والدوائر تلتف حول المعتدي”. كما أضاف علي البنداوي، عضو اللجنة الأمنية والدفاعية في البرلمان العراقي: “نظرًا لوجود الأجهزة الأمنية لدينا وقوات حرس الحدود على طول الحدود المشتركة مع سوريا التي تمتد إلى 640 كيلومترًا، فإن جميع هذه المناطق تحت السيطرة”.
سياسة العراق تجاه تحولات سوريا
تتمثل السياسة العراقية في أنه في ظل غياب حكومة رسمية في سوريا ووجود الجماعات المسلحة والإرهابية، يجب أن يتجنب العراق التدخل في الشأن السوري حتى تتشكل حكومة رسمية. وأكدت الحكومة العراقية على ضرورة عدم التفاعل مع الجماعات المسلحة في سوريا حتى يتم تشكيل حكومة معترف بها دوليًا. وأضاف معين الكاظمي، ممثل ائتلاف الإطار التنسيقي: “بشكل عام، فإن الشعب العراقي يوافق على حرية الشعب السوري وحمايته، بشرط أن تكون العلاقة بين البلدين وثيقة، وأن لا تكون الأحداث في سوريا مصدر تهديد للأمن القومي والعراقي الداخلي”. وقال الكاظمي لصحيفة “الأخبار”: “لقد كان موقف الحكومة العراقية واضحًا منذ البداية، وبغداد تنتظر الأيام القادمة والتحولات التي قد تؤثر على جميع دول المنطقة، بما في ذلك العراق، الذي يركز على الحياد والابتعاد عن الصراعات، والحوار، والابتعاد عن الحروب وإراقة الدماء”.
الخلفية الجيوسياسية للمواقف الرسمية بشأن التحولات في سوريا
ما يجب مراعاته وراء هذه التصريحات الرسمية بشأن التحولات الأخيرة في سوريا هو أن أي تغييرات في العلاقات بين القوى داخل سوريا سيكون لها تبعات على العراق من الناحية الجيوسياسية. بما أن كلا البلدين لديهما حدود مشتركة، فضلاً عن وجود قواسم ثقافية وتاريخية مشتركة، فإن أي اضطراب في سوريا قد يؤدي إلى انعدام الأمن في العراق وظهور قضايا مشابهة لتلك التي تحدث في سوريا. أي تحالف أو تأييد خاصة من قبل الجماعات الكردية والسنية في العراق مع نظرائهم في سوريا قد يتسبب في تهديدات غير قابلة للتنبؤ وغير قابلة للسيطرة على العراق.
بالنظر إلى تاريخ ظهور تنظيم داعش في العراق، واشتراك كل من سوريا والعراق في مواجهة هذه الجماعة الإرهابية، فإن أي حالة من عدم الاستقرار في العراق قد تشعل فتيل حرب أهلية جديدة، بالإضافة إلى ظهور جماعات إرهابية وراديكالية جديدة. هذا الوضع، بالإضافة إلى التداعيات المدوية التي قد تؤدي إلى الاضطراب الداخلي، يزيد من احتمال تدخل القوى الدولية في العراق، مما يزيد من تعقيد الأوضاع. في هذا السياق، يمكن أن تُخنق جميع الجهود الرامية إلى إنهاء الوجود العسكري للتحالف الدولي الذي نشأ بعد ظهور داعش.
السياسة المناسبة للعراق في الوضع الراهن
في ظل الوضع اراهن، يبدو أن السياسة المثلى للعراق هي أن يتجنب جميع التيارات الداخلية في البلاد تأييد أو دعم أي جماعات سورية تتنافس على السلطة. إذا رأت الجماعات العراقية أن مصالحها تكمن في دعم التيارات الداخلية في سوريا، فإن هذا قد يؤدي إلى نقل الصراع السوري إلى داخل العراق. السياسة المناسبة للعراق هي تعزيز القوة الدفاعية وتأمين الحدود مع سوريا، حتى تتشكل حكومة سورية رسمية ومعترف بها من القوى الداخلية وتُعترف بها دوليًا.