المخاطر والتهديدات الثقافية والعقائدية والجيواستراتيجية للكيان الصهيوني في المنطقة العربية والاسلامية ما بعد حرب غزة ولبنان
تُعد التهديدات الثقافية والعقائدية من بين أكثر وأشد المخاطر والتحديات التي تواجهها الدول النامية ( كما جرت تسميتها بعد الحرب العالمية الثانية او دول عالم الجنوب) ، ومصدر تلك التهديدات بالدرجة الاولى هو ما تقوم به الدول الكبرى او العظمى والتي تحاول فرض السيطرة المباشرة أو الهيمنة على مقدرات الشعوب المُستضعفة في دول عالم الجنوب ،والتي من أهمها الشعوب العربية والإسلامية من أجل فرض الهيمنة عليها وإحكام السيطرة على ثرواتها واستمرار التحكّم بقرارها السياسي .
لقد تطورت الوسائل والأدوات التي توظفها القوى الكبرى في تحقيق أهدافها وذلك بسبب التطورات العلمية الكبيرة التي شهدها المجتمع الدولي في مجال الاتصالات والمواصلات والتقنيات العلمية المتطورة الاخرى ، ولم تُعد القوة الصلبة ( hard power) هي الاداة الوحيدة لتحقيق أهداف وطموحات القوى الكبرى والعظمى ، وانما طُرِح مفهوم جديد للقوة وهو القوة الناعمة (soft power) والذي يعتمد على الجانب الثقافي في تحقيق تلك الأهداف ، وكذلك الاعتماد على كلا العاملين الصلب والناعم في آنٍ واحد – الذي أشار اليه المفكر الأمريكي جوزيف ناي – وأسماه بالقوة الذكية ( smart power) وتعني المزج ما بين هذين الانموذجين او النوعين من القوة لتحقيق أهداف القوى الدولية الساعية الى تحقيق الهيمنة على الدول الضعيفة .
لقد مثل الكيان الصهيوني الجبهة المتقدمة لقوى الهيمنة الغربية في المنطقة العربية والاسلامية الساعي الى لتنفيذ تلك المشاريع ، والذي ساندته قوى الاستكبار والهيمنة العالمية بكل الوسائل والادوات الصلبة والناعمة ، وقام بحروب عدوانية على شعوب ودول المنطقة العربية والاسلامية وبمساعدة تلك القوى لتحقيق تلك الاهداف ،وهيأت له الدعم والمساندة في مجال القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية ، وكذلك الدعم في مجال الاعلام الرقمي ( digital communication) كالانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي (social media ) والتي تم توظيفها لتحقيق تلك الاهداف ،إذ ركزت القوى الدولية الساعية الى الهيمنة والتي تتزعمها الولايات المتحدة الامريكية على توظيف العامل الثقافي الموجّه نحو الشعوب والمجتمعات في الدول الإسلامية لتحقيق أهدافها السياسية ومصالحها الاقتصادية ،فضلاً عن العامل العسكري والاقتصادي الذي طالما تم توظيفه لتحقيق تلك الاهداف في المنطقة العربية والاسلامية لما تتميّز به من مواقع جيوبولتيكية وجيواستراتيجية مهمة والتي جعلها في مقدمة اولويات اهتمام القوى العظمى .
لقد كانت الحرب الصهيونية العدوانية الاخيرة على غزة ولبنان بعد حادثة (طوفان الاقصى ) والتي تضمنت محاولة الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة ولسنوات عديدة من المطالبة بحقوقه المشروعة وأرضه الغتصبة ، والتي قابلها الكيان الصهيوني بحرب إبادة وحشية ضد السكّان المدنيين ، واعتداء على البنى التحتية في فلسطين ولبنان ، ومحاولة تأجيج الحروب في المنطقة من أجل الاجهاز على ما تبقى منها من قوة مادية ومعنوية ، ولاسيما قوى المقاومة المعارضة لمخططات الهيمنة لتلك القوى العظمى والكبرى .