محمد الحلبوسي الشخصية الأساسية في المعارضة العراقية
الکاتب: أکبر بيرامي
خلال الأشهر الماضية، عندما واجه محور المقاومة تحديات خطيرة، كان محمد الحلبوسي، الرئيس السابق لمجلس النواب العراقي، يمارس أنشطة متواصلة وسرية. أفعال تشير إلى أنه يخطط لما يفترض أن يكون “العراق الجديد”. ومن الممكن أن تؤدي هذه الإجراءات إلى إعادة تعريف المجال السياسي للاستراتيجية الأميركية في المنطقة.
الحلبوسي و التحديات التي تحيط به
محمد الحلبوسي هو سياسي عراقي شاب وزعيم سياسي للطائفة السنية في العراق. شغل منصب محافظ الأنبار، ورئيس حزب التقدم، ورئيس البرلمان العراقي الرسمي. وقد شغل هذه المناصب بين سن 32 و42 عاماً، ولذلك فهو يعتبر من الساسة الشباب في العراق.
في عام 2023، قد واجه الحلبوسي أزمة سياسية كبيرة أدت إلى إقالته من منصب رئيس مجلس النواب العراقي، ليصبح أول رئيس لمجلس النواب العراقي يستقيل بعد الإطاحة بحزب البعث.
لقد أجبر ليث الدليمي، النائب السني الآخر الذي كان محور جدل داخلي بين الأحزاب السنية، على كتابة استقالة من منصبه. وعندما لم يقبل الدليمي ذلك، قام محمد الحلبوسي بإعداد استقالة مزورة، واستند إلى ذلك المکتوب المزوّر في عزل الدليمي من البرلمان العراقي. وقد أدى هذا الأمر إلى رفع الدليمي شكوى أمام المحكمة العراقية مع تقديم الأدلة المتعلقة بالتزوير الذي قام به الحلبوسي، مما نتج عنه عزل الحلبوسي من منصبه كرئيس للبرلمان العراقي وإلغاء تمثيله. و من ثم، بعد عدة أشهر، تم تعيين المشهداني رئيسًا للبرلمان العراقي بأغلبية أصوات النواب.
بالإضافة إلى هذا الحدث، زادت توترات الحلبوسي مع الأحزاب السنية الأخرى، وكشف عن تضارب أكبر في المصالح الخاصة للأحزاب. شهدت الخلافات السابقة بين حزب التقدم بقيادة الحلبوسي وحزب السيادة بقيادة خميس الخنجر، التي كانت دائمًا تهدأ بوساطة تركيا، تصاعدًا في الأشهر الماضية، وانتهت في النهاية بشكوى رسمية من الحلبوسي ضد خميس الخنجر بتهمة “تشويه السمعة و الإساءة”.
قدّم الحلبوسي أيضًا شكوى ضد راكان الجبوري – رئيس التحالف العربي في كركوك – وخالد المفرجي – رئيس حزب السيادة في كركوك – بسبب تحالفهم مع خميس الخنجر في تشويهه و الإساءة عليه. هذه الأحداث هي جزء من الجدل والتوترات حول الحلبوسي، والتي أدت إلى حدوث انقسامات عميقة بين الأحزاب السنية العربية. حسين علي الكرعاوي، رئيس الهيئة التنظيمية للحركات الشعبية، يعتقد أن هذه الخلافات، بالإضافة إلى الطموحات الحزبية، تعود إلى تأثيرات الدول الإقليمية، ومن المحتمل أنه يشير إلى إيران.
بالإضافة إلى ذلك، نضيف ملفات الفساد المالي المتعلقة بالحلبوسي، ومن بينها ملف تهريب النفط من جنوب العراق إلى المحافظات الشمالية، والذي لم يصدر بعد حكم بشأنه ضد محمد الحلبوسي رغم وجود الشواهد و الأدلة المتعددة.
تصرفات الحلبوسي المشبوهة واللافتة خلال الأسابيع الماضية
ما يستدعي التأمل و الترکيز، هو الإجراءات المهمة للحلبوسي ولقاءاته الغامضة والمريبة. فقد قام في 4 ديسمبر 2024 بزيارة إلى واشنطن الأمريكية استمرت يومين، حيث التقى بأعضاء من الكونغرس الأمريكي وبعض المسؤولين في البيت الأبيض؛ بينما اعتبر هو أن هذه الزيارة شخصية وتهدف إلى الترفيه في أمريكا! وتزامنت زيارته مع نهاية نظام بشار الأسد وبداية صعود حزب سني متشدد في سوريا. ومن الجدير بالذكر أنه قبل ذلك بفترة قصيرة، قام الحلبوسي بزيارة الأردن والكويت حيث خاض لقاءات سياسية، وبعد تلخيص تلك اللقاءات في الأردن والكويت، سافر إلى أمريكا.
ويرى بعض المحللين في ساحة السياسة، ومن بينهم مهدي خزعل، أن هذه اللقاءات تأتي للموافقة على المشروع الضخم المتمثل في خلق مناخ سني في العراق. ويرى هذا المحلل أن الحلبوسي يسعى إلى توحيد جميع المحافظات السنية في العراق في إقليم مماثل لإقليم كردستان، وتولي رئاسة هذا الإقليم بنفسه ما يسمی بإقليم السُنّة.
على الرغم من أنه لم تُنشر بعد أي معلومات هامة عن تلك اللقاءات، إلا أن تزامن الأحداث المتتابعة في المنطقة مع هذه الزيارة يُشير بلا شك إلى وجود “استراتيجية سياسية” في مضمون المحادثات. من المحتمل أن الحلبوسي قد حصل على ضمانات من الولايات المتحدة الأمريكية للعودة إلى السلطة، ليُطلق في مقابل ذلك مشروعًا كبيرًا لإبعاد النفوذ الإيراني عن العراق. أول شخص حذر من تصرفات الحلبوسي هو هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي السابق. خلال مقابلة، أعلن قائلاً: “الحلبوسي سيغرق البلاد في أزمة!” حيث في نص قصير، كتب:
” هناك حراك سياسي حاليا في العراق لتجنيب التحوط والحذر ودعم حكومتنا الوطنيّة للحفاظ على تجربتنا، لكن هناك جهود حثيثة من قبل بعض السياسيين المستفادين ماديا والمغامرين لاغراق البلد في الازمة وعلى راسهم محمد الحلبوسي الرئيس السابق للبرلمان، بدلاً من طرح مشروع وطني جامع لتصحيح المسيرة”
هذه الأقوال أدت إلى أن الحلبوسي قدّم شكوى ضد زيباري في المحكمة العراقية.
أحد المحللين السياسيين يدعي أن نتاج زيارات الحلبوسي في أمريكا، والتي تزامن مع زيارته للمناطق اليهودية في هذا البلد، هو:
” الحلبوسي سيعود الى الساحة السياسية بعد الانتخابات المقبلة، وبالتالي العراق قد يشهد ولادة اقليم جديد تشكله الانبار ونينوى وصلاح الدين”
الخاتمة
إذا كانت هذه التحاليل المتشائمة تجاه تصرفات الحلبوسي قريبة من الواقع، فيجب بالتأكيد إعادة تعريف عودته إلى السلطة في إطار “مشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريکي”.ولکن ما يمکن التيقّن عليه هو أنه: ستمهد لقاءات الحلبوسي مع المسؤولين الأمريكيين الطريق لعودته إلى الساحة السياسية في العراق. و نظرًا لأهمية مشروع “إسرائيل” للولايات المتحدة الأمريكية، سيكون على الحلبوسي أن يتماشى مع الرواية الكبرى التي تقدمها إسرائيل عن المنطقة بعد عملية طوفان الأقصى، حتی يتمتع من الحماية الأمريكية. من جهة أخرى، سيكون على خصمه “خميس الخنجر” أن يقترب أكثر من تركيا وإيران، وما يبدو أن هذه الأحداث ستؤدي في النهاية إلى ضعف أكبر للأحزاب السنية في العراق دون أن تؤدي إلى أي نتيجة وهمية تقارب بإقليم سني.