الکاتب: أکبر بيرامي
أبو محمد الجولاني، هو الاسم التنظيمي لـ”أحمد حسين الشرع”، الذي يتولى قيادة أكبر فصيل معارض متشدد في سوريا. بعد إضعاف القوة البرية لحزب الله نتيجة الحرب الشرسة التي استمرت لعدة أشهر مع الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، يسعى الجولاني لاستغلال هذه الفرصة الذهبية لتنفيذ عمل كبير ضد الحكومة السورية. يُعتبر تنظيمه حالياً التهديد الأخطر لنظام البعث السوري بقيادة بشار حافظ الأسد.
معلومات تفصيلية عن أبو محمد الجولاني
المعلومات التي تُقدّم عن الشخصيات الإرهابية السلفية دائماً ما تكون موضع شك وتروٍّ؛ لأنهم جميعاً يسعون للتخفي وعدم الظهور الإعلامي، ويتطلب العمل العسكري البارتيزاني هذه الروح بطبيعة الحال. ولكن أبو محمد الجولاني يبدو أنه ليس كذلك. فهو بقدر ما يركز على الأنشطة المسلحة العسکرية، فإنه أيضاً يرحب بالإعلام وتوثيق معلوماته وأنشطته. ولذا يمكن أن نتواصل من خلال بحث شامل إلی معلومات تفصيلية عن هذا الشخص.
الاسم الرسمي له بحسب ما كتبته محكمة الجنايات في دمشق: أحمد الشرع. اسم والده: حسين واسم والدته: وداد؛ وُلد عام 1982 ميلادي.
يمكن القول أن أحمداً وُلد في أسرة متعلمة و مثقفة. هو من عائلة سورية ومن مدينة فيق في الجولان المحتل.
حسين علي الشرع والد أبو محمد الجولاني
والده، حسين (1946) قومي عربي. خريج اقتصاد وعلوم سياسية بجامعة بغداد. خبير في اقتصاديات النفط، و الذي ألف أربعة كتب في هذا المجال. حسين علي الشرع (أبو الجولاني) يُعتبر من علماء الاقتصاد النفطي. يُقال أن نسبه وأجداده ينتمون أيضًا إلى أهل بيت النبي (ص). من ناحية أخرى، كانت هذه الأسرة تتمتع بقدرة مالية جيدة ولديها أراضٍ زراعية وسكنية كثيرة في سوريا. حسين الشرع كان من الشخصيات الثورية في عصره، وقد تحمل الحروب الطائفية والسجن والتعذيب وحرمانه من حق التوظيف الحكومي في عهد حافظ الأسد، ولكن بفضل قدراته الشخصية والعائلية، استطاع بعد خروجه من السجن أن يحصل على مناصب إدارية و حکومية جيدة في دمشق. من تاريخ 1979 م إلى 1988 م تم إرسال حسين من قبل الحكومة السورية إلى المملکة العربية السعودية من أجل تطوير العلاقات النفطية بين سوريا والسعودية ونقل التجارب وتجاوز العقوبات، حيث قام بالبحث والعمل في هذا المجال. وقبل أن يذهب للسعودية أنجز كتابين؛ الأول عن «النفط بين الإمبريالية والتنمية» ونشر في لبنان في عام 1974، وأتبعه بكتاب ثان عن «البترول والمال العربي في معركة التحرير والتنمية» وفي السعودية، بالإضافة لوظيفة الباحث الاقتصادي، أصبح يكتب مقالات سياسية واقتصادية واستراتيجية في جريدة «الرياض» من 1980 إلى 1986، ثم انتقل للكتابة في جريدة «الجزيرة» حتى استقال من عمله عام 1988. وقد ألّفَ مجموعة من الكتب المهمة منها «النفط ومستقبل التنمية في الوطن العربي» و «النفط ومستقبل التنمية في المملكة العربية السعودية».
وكانت زوجة حسين الشرع (والدة أحمد) من النساء المتعلمات مُدرّسة الجغرافيا الابتدائية، وقيل إنها امرأة تقليدية و محافظة و متمسكة بالأصول السنية.
المزيد من المعلومات عن “أبو محمد الجولاني” حتى عام 2012
ولد في الرياض عام 1982 في أثناء عمل والده هناك و تلقى تعليمه الباكر في الرياض. في 1989 عادت الأسرة إلى دمشق وسكنت في حي المزة فيلات شرقية في منزل حصل عليه الأب بالعضوية في جمعية سكنية للاقتصاديين؛ درس أحمد الابتدائية في مدرسة «معاذ بن جبل» في المزة. ويصفه أحد زملاء صفه بأنه كان أحد الطلاب المتميزين، رزيناً، مرتباً، ذكياً نسبياً، نحيفاً، يرتدي نظارات طبية، منطوياً بعض الشيء. تابع دراسته في ثانوية «عمر بن عبد العزيز» في الحي نفسه. وقد انحدر مستواه الدراسي بوضوح خلال هذه المرحلة. انتسب إلى كلية الإعلام، التعليم المفتوح. وليست هناك معلومات عن تقدمه في الكلية لأكثر من سنتين. تأثر بالانتفاضة الفلسطينية عام 2000. وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، اتجه نحو فكر ضد الإمبريالية مع الإنتماء نحو التوجه السني المتشدد. أطلق لحيته وصار يرتدي الجلابية، وواظب على الصلاة في جامع «الشافعي» قرب مدينة الشباب في الحي نفسه.
اعتقالات متتالية!
تم اعتقال أحمد الشرع في كل من سوريا والعراق. واعتقل مرة واحدة عام 2005 في سوريا ومرة أخرى عام 2005 في العراق.
في عام 2003 م، لم يكن له أي ارتباط واضح مع أي من المنظمات الإرهابية العراقية حتى عاد إلى سوريا وعاش هناك لأكثر من عامين، حيث ارتبط بجماعة سلفية جهادية ناشئة، وفي عام 2005 م تم اعتقاله، لكنه استطاع إقناع المحققين بأنه لم يقم بأي عمل مسلح وإنما قد دعَمهم بسبب التقارب الفكري، وبعد فترة تم إطلاق سراحه.
عد الإفراج عنه غادر مجدداً إلى العراق، ولكن هذه المرة نحو وجهة محددة مسبقاً هي مجموعة جهادية صغيرة في الموصل انتسب إليها، وكانت «سرايا المجاهدين» بقيادة أبو طلحة العراقي. لاحقاً بايعت سرايا المجاهدين أبو مصعب الزرقاوي بوصفه أمير فرع القاعدة.
لم تمر سوى عدة أشهر على انضمامه إلى القاعدة في العراق حتى تم أسرُه من قبل القوات الأمريكية وهو يحاول زرع عبوة ناسفة.
كان يحمل هوية عراقية مزورة واستطاع اجتياز فحص اللهجة الذي كانت تجريه القوات الأميركية لتمييز المجاهدين العرب، ولذلك سُجن على أنه عراقي وكان يُعرف بـ”أبو أشرف”. تنقل في سجون أبو غريب؛ بوكا؛ كروبر؛ التاجي. وقضى فيها نحو 5 سنوات؛ تعرف في هذه السجون إلى عدد ممن سيصبحون من أبرز قادة «دولة العراق الإسلامية» عندما سيطلَق سراحهم. أثناء بقائه في السجن، اجتمع «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» مع حركات جهادية أخرى ورؤساء عشائر وسواهم، وأعلنوا قيام «دولة العراق الإسلامية» وحل جميع تنظيماتهم وذوبانها في «الدولة» في 15 تشرين الأول 2006.
أُطلق سراحه من السجن عام 2011م، و فور إطلاق سراحه من السجن، صار أحد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. ولكن الربيع العربي، الذي وضع المنطقة في حالة طوارئ، كان له طابع خاص في سوريا، حيث شكلت الجماعات السلفية السنية المتطرفة جزءاً مهماً من المعارضة السورية. هذا الأمر مكّن أحمد من صياغة استراتيجيات مهمة لسوريا، وكانت هذه الاستراتيجيات تصل إلى أبي بكر البغدادي عبر وسيط أو اثنين. وافق البغدادي على المشاريع الكبرى لأحمد الشرع، حيث بدأ يوفر له الأموال والأفراد اللازمين لتنفيذها. أحمد الشرع دخل إلى سوريا، على رأس ستة أشخاص، في آب 2011، وشرع في تأسيس خلايا تنظيمه و في 24 كانون الثاني 2012 أعلن عن وجود «جبهة النصرة لأهل الشام من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد» في تسجيل مرئي تكلم فيه بصوت مشوش بشكل مقصود، قدّم فيه نفسه بوصف «الفاتح أبو محمد الجولاني». وكان زعيم جبهة النصرة لسنوات عديدة ووسع أنشطته في السنوات الأخيرة.
وجوه التباين بين “أبو محمد الجولاني” و”أبو بكر البغدادي”
في النظرة الأولى، لا يوجد فرق بين أي من الجماعات التكفيرية، فجميعها تنبع من مشارب متحدة وتتحرك وفقاً لها. هذه النظرة، رغم صحتها في جزء كبير من الآراء والأفراد، ليست صحيحة بشكل مطلق. أحمد الشرع (الذي سنسميه من الآن أبو محمد الجولاني) يختلف عن البغدادي في نقاط مهمة. و أساساً لهذه الخلافات، القوة التي كانت تحت سيطرته أعلنت انفصالها عن داعش أولاً و بالتالي عن القاعدة في عام 2017م، وكان ذلك ضربة قاسية لتنظيم داعش، وساهم بشكل كبير في تسريع هزيمتها في كل من العراق وسوريا.
- أبو محمد الجولاني، على عكس البغدادي، يركز فقط على سوريا ويعمل على تقديم حركته كحركة إسلامية سورية بحتة. نعلم أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش)، كان تنظيمًا إرهابيًا عالميًا وكان قد وضع مخططًا سياسيًا للمنطقة.
- هو، على عكس البغدادي، لديه علاقات عامة وإعلامية أفضل بكثير مع الآخرين؛ وعادة ما يبتعد عن الشخصية الإعلامية التي كانت تحيط بالبغدادي، وهو أكثر قبولًا للإعلام. يتم تداول صوره و أفلامه بشكل متكرر، وطريقة ملابسه أقرب إلى تلك التي يرتديها باقي أعضاء تحرير الشام.
- هو وأصدقاؤه يمتلكون قدرة كبيرة على الدمج بين المنظمات السلفية التحررية في سوريا. قام هؤلاء القادة بتغيير اسم جبهة النصرة إلى “جبهة فتح الشام”، مما قلل من حساسيات الدول المجاورة لسوريا تجاهه. كما خفف التوتر مع الجماعات التي تعمل بشكل مركّز ضد بشار الأسد، مثل حركة نور الدين الزنكي وأحرار الشام. ومن خلال مفاوضات أجريت في عام 2017، تمكن من تشكيل “هيئة تحرير الشام”، وأصبح قائد جناحها العسكري، وبعد فترة قصيرة تولى القيادة الكاملة لهذه المنظمة.
- نظرًا لتركيز أبو محمد الجولاني على القضية السورية، فإنه يسعى إلى تقليل مظاهر التطرف ضد الطوائف والمذاهب الدينية الأخرى الموجودة في سوريا، وهو نهج لم يتبعه البغدادي قط وكان أحد أسباب سقوطه في الموصل. يُعتقد أن الجولاني في المرحلة الأولى لا يتخذ موقفًا متشددًا تجاه الشيعة أو النُصيريين (العلويين) أو الإسماعيليين أو الدروز في سوريا. كما أنه أصدر بيانًا دعا فيه شيعة نبّل والزهراء إلى قطع تعاونهم مع الحكومة السورية، وفي المقابل تم ضمان أمنهم. هذا النهج يبدو أنه أقرب إلى أسلوب طالبان في أفغانستان من أسلوب داعش في العراق و سوريا، حيث تسعى هيئة تحرير الشام إلى تبعية نموذج أكثر نجاحًا من داعش، يعني طالبان. فهي تتصرف بطريقة أكثر إقليمية وشمولية. ومع ذلك، فإن ردود الفعل العنيفة المتوقعة من قبل الحكومة السورية وروسيا وإيران ضد مواقع هيئة تحرير الشام ستؤثر بشكل كبير علی ما تفعله هيئة التحرير في الميدان.
- قيادة هيئة تحرير الشام لديها تجربة غير قصيرة في إدارة أجزاء من محافظة إدلب وشرق اللاذقية أو التأثير عليهما، حيث كان جزء كبير من شمال غرب سوريا تحت تأثيرها المدني. التجارب الناتجة عن هذا الواقع أثرت بلا شك على قادة هذه المنظمة، ورسخت لديهم فهمًا بأن من الضروري كسب ودّ الناس وإظهار وجه ودود ومتعاطف. في بداية هذا العام، واجهت هيئة تحرير الشام أزمة عميقة في سوريا كادت أن تؤدي إلى حلّها، لكنها استطاعت الصمود بفضل دعم بعض الدول المجاورة.
- على الرغم من أن جبهة الشام لم تشارك في محادثات أستانة للسلام، بل وأدانت هذا المسار في بياناتها بشكل متكرر، إلا أنها عمليًا حاولت إلى حد ما مواكبة المفاوضات التي جرت. كما أنها تُبدي اهتمامًا بأن يسود السلام في سوريا، ولكن بشرط غياب بشار الأسد ونظامه عن المشهد.
- حاولت هيئة تحرير الشام إزالة نفسها من قائمة المنظمات الإرهابية في المنطقة والعالم. وكان تغيير الاسم الأصلي من جبهة النصرة إلى جبهة الشام ومن ثم “تحرير الشام” خطوة أولية للانسحاب من قائمة الجماعات الإرهابية. فمن ناحية، يحاول هذا التنظيم دمج جماعات المعارضة غير الإسلامية الأخرى في نفسه – وهو النهج الذي لم يقبله تنظيم الدولة الإسلامية قط؛ ومن ناحية أخرى، فهي تتمتع بعلاقة جيدة جداً مع أحد محاور مفاوضات أستانة، وهو تركيا، وتنفذ أجندة تركيا في نطاق نفوذها؛ كما يحظر أعمال العنف الرمزية – مثل أعمال داعش کالإعدامات الجماعية ونشر مقاطع فيديو لعمليات القتل العنيف مثل قطع الرؤوس وما إلى ذلك-. و من ثم، من خلال تأسيس كيانات ثانوية مثل “حكومة الإنقاذ السورية” دون الإشارة إلى أيديولوجيا إسلامية، تسعى هيئة تحرير الشام إلى تخفيف التوترات السياسية والاجتماعية والإقليمية تجاهها. سلوك هذا التنظیم يضمن، بطريقة ما، أنه بعد إسقاط النظام السوري لن يكون هناك تهديد للدول المجاورة لسوريا. ومع ذلك، نظرًا لأن جميع الأعضاء والقادة الرئيسيين تقريبًا متهمون بجرائم الحرب، ولأن هيئة تحرير الشام لا تزال تدار على أساس العقائد السلفية المتطرفة، تُعتبر هذه المنظمة إحدى الجماعات الإرهابية في نظرة المنطقة و العالم.
قد أسلفنا أن هيئة تحرير الشام تسعى إلى استلهام نموذج طالبان الناجح أكثر من نموذج داعش، وفي هذا الإطار تسعى عمليًا إلى تقليل التوتر مع الغرب. كما أننا لم نشهد منها موقفًا بارزًا تجاه عام كامل من الجرائم الإسرائيلية الثقيلة ضد أهل غزة السنة. بل إنها اعتبرت تلك الفترة “فرصة ذهبية” للخروج من أزمة الانتفاضة ضد هيئة تحرير الشام أبان عام 2024، لإعادة بناء نفسها والاستعداد لانتفاضة شاملة ضد بشار الأسد. التركيز على سوريا، مع الالتزام بالبروتوكولات الإقليمية الغربية ودعم تركيا، وفر لهذه التنظيم السلفي المتطرف، بيئة مواتية للتقدم وتحقيق أهدافه.