الوضع السياسي في العراق بعد عودة ترامب إلى الرئاسة
الکاتب: غفار عفراوي
في عالم مليء بالتقلبات السياسية والاقتصادية، يعد العراق واحدًا من البلدان التي لا تزال تشهد تأثيرات متراكمة من السياسة العالمية والإقليمية. بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية لعام 2024، يواجه العراق مرحلة جديدة تتداخل فيها التحديات الإقليمية والعالمية، حيث ستكون عودة ترامب إلى الرئاسة نقطة محورية في إعادة تشكيل الوضع الداخلي والخارجي للعراق. في هذا المقال، ساستعرض بشكل دقيق كيفية تأثير هذه العودة على الوضع السياسي في العراق، مع التركيز على محاور عدة مثل التدخلات الإقليمية والدولية، خطر نشوب الحرب، الأوضاع الاقتصادية، التظاهرات الشعبية، التغييرات في سوريا، والاغتيالات السياسية. وغيرها.
منذ عام 2017، كان لدونالد ترامب سياسة واضحة تجاه الشرق الأوسط، حيث اتخذ نهجًا مغايرًا عن سابقيه عبر تقليص التدخلات العسكرية المباشرة. لكن هذه السياسة لم تمنع الولايات المتحدة من الحفاظ على وجود عسكري رمزي في العراق لمكافحة الجماعات الإرهابية مثل داعش وحماية مصالحها الاستراتيجية.
مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، من المتوقع أن يشهد العراق زيادة في هذا الوجود العسكري، سواء بشكل مباشر أو عبر الدعم اللوجستي والتقني.
وإذا قرر ترمب تعزيز وجود القوات الأمريكية في العراق، قد يؤدي ذلك إلى تصاعد التوترات بين الحكومة العراقية والفصائل المسلحة الموالية لإيران، والتي ستعتبر ذلك انتهاكًا لسيادة العراق. هذا التدخل قد يفاقم من الأزمة الأمنية الداخلية ويزيد من حالة الاستقطاب السياسي.
التدخلات الإيرانية:
إيران لطالما كانت لاعبًا رئيسيًا في العراق، وتتمتع بنفوذ كبير عبر الفصائل المدعومة من طهران والتي تسيطر على أجزاء من الأراضي العراقية. مع فرض عقوبات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة على إيران، من المتوقع أن تتصاعد هذه التدخلات الإيرانية بشكل أكبر. هذا الوضع قد يعقد الموقف العراقي، حيث تجد الحكومة نفسها مضطرة للتعامل مع القوى الأجنبية المؤثرة، ما يزيد من هشاشة الوضع الأمني والسياسي في البلاد.
التدخلات الإسرائيلية:
على الرغم من أن إسرائيل لا تملك وجودًا عسكريًا في العراق، إلا أن الخطر الذي تمثله هذه الدولة على الأمن العراقي قد يتزايد في حال تزايدت التوترات بين إسرائيل وإيران. إذا كانت هناك رغبة إسرائيلية في ضرب الأهداف الإيرانية في العراق أو سوريا، فقد يتحول العراق إلى ساحة صراع إقليمية. وبدورها، قد تجد الحكومة العراقية نفسها مضطرة إلى اتخاذ مواقف سياسية معقدة لحماية مصالحها، مع الحفاظ على علاقتها مع إيران من جهة، وفي الوقت نفسه تجنب الصراع المباشر مع إسرائيل.
الحرب الأمريكية الإيرانية:
كانت دائمًا في صدارة القلق الإقليمي، ولا سيما بعد اغتيال قاسم سليماني، القائد العسكري الإيراني الكبير، في بغداد في يناير 2020 مع عدد من رفاقه وأبرزهم الشهيد ابو مهدي المهندس. إن عودة ترامب إلى الرئاسة قد تعني زيادة التصعيد في السياسة الأمريكية تجاه إيران، مما قد يؤدي إلى حرب بالوكالة أو حتى مواجهة عسكرية مباشرة.
العراق سيكون متأثرًا بشكل رئيسي بهذا الصراع، بما في ذلك مصالحه الاقتصادية والأمنية.
وإن حرب كهذه قد تؤدي إلى تدمير البنية التحتية العراقية، وتدمير الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى زيادة عدد اللاجئين إلى البلدان المجاورة.
في الوقت نفسه، سيزداد خطر الهجمات من قبل التنظيمات الإرهابية، مما يعقد الوضع الأمني.
وهناك خطورة اخرى على الوضع العراقي هي الحروب بالوكالة، فحتى لو لم تُشعل حرب مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، فإن العراق سيظل ساحة صراع حامية بين القوى الإقليمية. فالفصاىل المدعومة من إيران قد تهاجم القوات الأمريكية أو تستهدف مصالح الولايات المتحدة في العراق، فيما قد ترد الولايات المتحدة بهجمات مباشرة على تلك الجماعات.
هذا الصراع سوف يعمق التوترات الداخلية في العراق، مما يؤدي إلى تصاعد موجات العنف والاقتتال الداخلي، ويزيد من خطر تقسيم البلاد على أسس طائفية أو عرقية.
الاحتجاجات الشعبية والتغيير السياسي:
أما الاحتجاجات الشعبية في العراق فهي لم تكن مجرد انعكاس للفساد الداخلي، بل هي تعبير عن رفض الشارع العراقي لسياسات الحكومات المتعاقبة، سواء كانت نتيجة للتدخلات الأجنبية أو الفشل الداخلي.
ففي عام 2019، خرج ملايين العراقيين إلى الشوارع مطالبين بتغييرات جذرية في الحكومة والسياسات الاقتصادية وادت إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي وتغييرات جذرية كثيرة.
هذه التظاهرات قد تتصاعد مجددًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد ، والتدخلات الإقليمية التي قد تزيد من الاحتقان، والفساد والمحسوبية والسرقة وانعدام الخدمات البسيطة.
وفي حال عودة ترامب، واتباعه سياسة ضغوط جديدة ضد العراق، فمن المرجح أن تزداد الاحتجاجات، خاصة في حال تأثر الحياة المعيشية للناس بشكل أكبر بسبب العقوبات الأمريكية أو زيادة التوترات الأمنية. كما أن أي زيادة في الوجود العسكري الأمريكي في العراق قد تكون بمثابة شرارة لانطلاق موجات جديدة من التظاهرات.
من ناحية أخرى، يمكن أن تتفاقم التوترات السياسية بين القوى الشيعية والسنية والكردية داخل الحكومة العراقية نتيجة لتفاقم الأزمة الاقتصادية، والتي ستكون في المقام الأول نتيجة لتقلبات أسعار النفط. الاضطرابات الاقتصادية قد تدفع بالشارع العراقي إلى التصعيد بشكل أكبر ضد النظام القائم.
الأزمة السورية:
الأزمة السورية ما زالت تؤثر بشكل كبير على الأمن العراقي. وفي حال تغير الوضع في سوريا نتيجة لتوسع التدخلات العسكرية الدولية أو تغييرات في التحالفات الإقليمية، فإن العراق سيكون متأثرًا بشكل كبير ومباشر وهناك احتمالات من اندلاع معارك كبرى بين العراق وسوريا بسبب الحدود المشتركة، و وجود فصائل مسلحة في كلا البلدين، قد يشهد العراق عواقب خطيرة في حال تصاعد العمليات العسكرية في سوريا.
النفوذ الإيراني في سوريا والعراق:
إيران التي تسعى لتوسيع نفوذها في سوريا كما هو في العراق، مما قد يعزز من سيطرتها على البلدين. وإذا ازدادت التدخلات الإيرانية في سوريا، فقد يزيد ذلك من الدعم الذي تقدمه إيران للفصائل المسلحة في العراق، مما سيزيد من تعقيد الوضع السياسي والعسكري في العراق وستكون الإدارة الأمريكية مضطرة لاتخاذ إجراءات غير متوقعة.
الاقتصاد العراقي الهش
الاقتصاد العراقي يواجه تحديات كبيرة، حيث يعتمد بشكل أساسي على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات. وإن أي تغيير في سياسات الدول الكبرى وابرزها الولايات المتحدة قد يؤثر بشكل كبير على إيرادات العراق، سواء كان ذلك من خلال فرض عقوبات اقتصادية أو ضغوط على العراق لتقليل اعتماده على إيران.
وإن أزمة أسعار النفط قد تزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي في العراق، مما سيؤدي إلى مزيد من الفقر، البطالة، والانقسامات الاجتماعية. وبالتالي يؤدي إلى تراجع قدرة الحكومة العراقية على تقديم الخدمات الأساسية لشعبها.
الفرص الاقتصادية تحت الضغط الأمريكي:
إلا أن هناك فرصة للعراق للاستفادة من تعاون أعمق مع الولايات المتحدة في مجال الطاقة والبنية التحتية. وإذا تمكنت الحكومة العراقية من إيجاد توازن بين التقليل من الاعتماد على إيران والتعاون مع الشركات الأمريكية، قد تتمكن من تحسين وضعها الاقتصادي. هذا التعاون قد يفتح الأبواب أمام مشاريع تنموية جديدة توفر فرص عمل وتحسن مستوى المعيشة. وكل شي متوقع في المستقبل ولا غريب في السياسة.
الاغتيالات السياسية:
العراق شهد في السنوات الأخيرة عمليات اغتيال تستهدف شخصيات سياسية وإعلامية. هذه الاغتيالات جزء من الصراع السياسي المعقد الذي يعصف بالبلاد، وتستخدمها بعض الأطراف لفرض إرادتها على الساحة السياسية.
في حال تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بعد عودة ترامب، قد يشهد العراق المزيد من عمليات الاغتيال التي تستهدف النشطاء السياسيين والرموز المعارضة للوجود الأمريكي أو الإيراني في العراق. هذه العمليات قد تؤدي إلى زيادة الاستقطاب السياسي وتعميق الانقسامات داخل الحكومة العراقية.
ختاما نستخلص:
إن عودة ترامب إلى الرئاسة ستشكل نقطة تحول هامة في الوضع السياسي للعراق. بين تحديات أمنية ضخمة، ومخاطر اقتصادية، وضغوط إقليمية ودولية، سيتعين على العراق اتخاذ خطوات استراتيجية هامة للحفاظ على سيادته واستقراره. العراق اليوم أمام فرصة لتعزيز علاقاته مع الولايات المتحدة، ولكنه سيواجه تحديات من القوى الإقليمية المتنافسة على النفوذ في المنطقة. بشكل عام، الوضع في العراق سيعتمد بشكل كبير على كيفية استجابة الحكومة العراقية للتغييرات التي ستطرأ على السياسات الأمريكية والتحديات الداخلية.